لما ذكر تعالى القاعدة العامة في أحوال الناس عند إصابة الرحمة لهم بعد الضرَّاء واليُسر بعد العسر؛ ذَكَرَ حالةً تؤيِّد ذلك، وهي حالهم في البحر عند اشتداده والخوف من عواقبه، فقال:
{هو الذي يُسَيِّرُكم في البرِّ والبحر}: بما يسَّر لكم من الأسباب المسيَّرة لكم فيها وهداكم إليها.
{حتى إذا كنتُم في الفُلك}؛ أي: السفن البحريَّة،
{وجَرَيْنَ بهم بريح طيِّبة}: موافقة لما يهوونه من غير انزعاج ولا مشقَّة،
{وفرحوا بها}: واطمأنُّوا إليها؛ فبينما هم كذلك؛ إذ جاءتهم
{ريحٌ عاصفٌ}: شديدة الهبوب،
{وجاءهُم الموجُ من كلِّ مكان وظنُّوا أنهم أحيطَ بهم}؛ أي: عرفوا أنه الهلاك، فانقطع حينئذٍ تعلُّقهم بالمخلوقين، وعرفوا أنه لا يُنجيهم من هذه الشدَّة إلا الله وحده، فدعوه
{مخلصين له الدين}: ووعدوا من أنفسهم على وجه الإلزام، فقالوا:
{لئنْ أنجَيْتَنا من هذه لنكوننَّ من الشاكرينَ. فلما أنجاهم إذا هم يبغونَ في الأرض بغير الحقِّ}؛ أي: نسوا تلك الشدة وذلك الدعاء وما ألزموه أنفسهم، فأشركوا بالله مَن اعترفوا أنه لا يُنجيهم من الشدائد ولا يدفع عنهم المضايق؛ فهلا أخلصوا لله العبادة في الرخاء كما أخلصوه في الشدة؟! ولكنَّ هذا البغي يعود وَبالُه عليهم، ولهذا قال:
{يا أيُّها الناس إنَّما بغيكم على أنفسكم متاعَ الحياة الدُّنيا}؛ أي: غاية ما تؤمِّلون ببغيكم وشرودكم عن
الإخلاص لله أن تنالوا شيئاً من حُطام الدُّنيا وجاهها النزر اليسير الذي سينقضي سريعاً ويمضي جميعاً ثم تنتقلون عنه بالرغم.
{ثم إلينا مرجِعُكم}: في يوم القيامة،
{فننبِّئكم بما كنتُم تعملونَ}: وفي هذا غايةُ التحذير لهم عن الاستمرار على عملهم.