وهذا المثل من أحسن الأمثلة، وهو مطابقٌ لحالة الدنيا؛ فإنَّ لذَّاتها وشهواتها وجاهها ونحو ذلك يزهو لصاحبه إن زها وقتاً قصيراً؛ فإذا استكمل وتمَّ؛ اضمحلَّ وزال عن صاحبه أو زال صاحبه عنه، فأصبح صِفْرَ اليدين منها، ممتلئ القلب من همِّها وحزنها وحسرتها؛ فذلك
{كماءٍ أنزلناه من السماء فاختلط به نباتُ الأرض}؛ أي: نبت فيها من كل صنفٍ وزوج بهيج،
{مما يأكلُ الناس}: كالحبوب والثمار،
{و} مما تأكل
{الأنعامُ}: كأنواع العشب والكلأ المختلف الأصناف.
{حتى إذا أخذتِ الأرضُ زُخْرُفَها وازَّيَّنَتْ}؛ أي: تزخرفت في منظرها واكتست في زينتها فصارت بهجةً للناظرين ونزهةً للمتفرِّجين وآيةً للمتبصِّرين، فصرت ترى لها منظراً عجيباً ما بين أخضر وأصفر وأبيض وغيره.
{وظنَّ أهلُها أنَّهم قادرون عليها}؛ أي: حصل معهم طمعٌ بأن ذلك سيستمرُّ ويدوم لوقوف إرادتهم عنده وانتهاء مطالبهم فيه؛ فبينما هم في تلك الحالة؛ أتاها أَمْرُ اللهِ
{ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تَغْنَ بالأمس}؛ أي: كأنها ما كانت، فهذه حالة الدُّنيا سواء بسواء.
{كذلك نفصِّل الآيات}؛ أي: نبيِّنُها ونوضِّحها بتقريب المعاني إلى الأذهان وضرب الأمثال،
{لقوم يتفكَّرون}؛ أي: يُعْمِلونَ أفكارهم فيما ينفعهم، وأما الغافل المعرضُ؛ فهذا لا تنفعه الآيات، ولا يزيلُ عنه الشكَّ البيانُ.