ولما دعا إلى دار السلام؛ كأن النفوس تشوَّقت إلى الأعمال الموجبة لها الموصلة إليها، فأخبر عنها بقوله: {للذين أحسنوا الحُسنى وزيادةٌ}؛ أي: للذين أحسنوا في عبادة الخالق، بأنْ عبدوه على وجه المراقبة والنصيحة في عبوديَّته، وقاموا بما قدروا عليه منها، وأحسنوا إلى عباد الله، بما يقدرون عليه من الإحسان القوليِّ والفعليِّ: من بذل الإحسان الماليِّ والإحسان البدنيِّ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم الجاهلين ونصيحة المعرضين وغير ذلك من وجوه البرِّ والإحسان؛ فهؤلاء الذين أحسنوا لهم الحسنى، وهي الجنة الكاملة في حسنها، وزيادةٌ، وهي النظر إلى وجه الله الكريم، وسماع كلامه، والفوز برضاه، والبهجة بقربه؛ فبهذا حصل لهم أعلى ما يتمنَّاه المتمنُّون، ويسأله السائلون. ثم ذكر اندفاع المحذور عنهم، فقال: {ولا يَرْهَقُ وجوهَهم قَتَرٌ ولا ذِلَّةٌ}؛ أي: لا ينالهم مكروهٌ بوجه من الوجوه؛ لأنَّ المكروه إذا وقع بالإنسان؛ تبيَّن ذلك في وجهه وتغيَّر وتكدَّر. وأما هؤلاء؛ فكما قال الله عنهم: {تعرِفُ في وجوههم نَضْرَةَ النعيم}، أولئك أصحاب الجنة الملازمون لها هم فيها خالدون، لا يحولون، ولا يزولون، ولا يتغيَّرون.