يقول تعالى: {إن الذين لا يرجون لقاءنا}؛ أي: لا يطمعون بلقاء الله، الذي هو أكبر ما طمع فيه الطامعون، وأعلى ما أمَّله المؤمِّلون، بل أعرضوا عن ذلك، وربَّما كذَّبوا به، {ورضوا بالحياة الدُّنيا}: بدلاً عن الآخرة، {واطمأنُّوا بها}؛ أي: ركنوا إليها، وجعلوها غاية أمرهم ونهاية قصدهم؛ فسعوا لها، وأكبُّوا على لَذَّاتها وشهواتها؛ بأيِّ طريقٍ حصلتْ حصَّلوها، ومن أيِّ وجه لاحتِ ابتدروها، قد صرفوا إراداتهم ونيَّاتهم وأفكارهم وأعمالهم إليها، فكأنَّهم خُلِقوا للبقاء فيها، وكأنَّها ليست بدارِ مَمَرٍّ يتزوَّد فيها المسافرون إلى الدار الباقية التي إليها يرحل الأولون والآخرون وإلى نعيمها ولذَّاتها شمَّر الموفَّقون. {والذين هم عن آياتنا غافلون}: فلا ينتفعون بالآيات القرآنيَّة ولا بالآيات الأفقيَّة والنفسيَّة، والإعراضُ عن الدليل مستلزمٌ للإعراض والغفلة عن المدلول المقصودِ.