يقول تعالى لنبيه: واتلُ على قومك {نبأ نوح}: في دعوته لقومه حين دعاهم إلى الله مدةً طويلةً فمكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، فلم يزدهم دعاؤه إياهم إلا طغياناً، فتملَّلوا منه وسئموا، وهو عليه الصلاة والسلام غير متكاسل ولا متوانٍ في دعوتهم، فقال لهم: {يا قوم إن كانَ كَبُرَ عليكم مَقامي وتذكيري بآيات الله}؛ أي: إن كان مقامي عندكم وتذكيري إيَّاكم ما ينفعهم بآيات الله الأدلَّة الواضحة البيِّنة، قد شقَّ عليكم، وعَظُم لديكم، وأردتم أن تنالوني بسوء أو تردُّوا الحقَّ. {فعلى الله توكَّلْتُ}؛ أي: اعتمدتُ على الله في دفع كلِّ شرٍّ يُراد بي وبما أدعو إليه؛ فهذا جندي وعدتي. وأنتم؛ فأتوا بما قدرتم عليه من أنواع العُدَد والعَدَد، {فأجمِعوا أمركم}: كلكم بحيث لا يتخلَّف منكم أحدٌ ولا تدَّخروا من مجهودكم شيئاً، {و} أحضروا {شركاءكم}: الذين كنتم تعبدونهم وتوالونهم من دون الله ربِّ العالمين، {ثم لا يكُنْ أمرُكم عليكم غُمَّةً}؛ أي: مشتبهاً خفيًّا، بل ليكنْ ذلك ظاهراً علانيةً. {ثم اقضوا إليَّ}؛ أي: اقضوا عليَّ بالعقوبة والسوء الذي في إمكانكم، {ولا تنظرون}؛ أي: لا تمهلوني ساعةً من نهار. فهذا برهانٌ قاطعٌ وآيةٌ عظيمةٌ على صحة رسالته وصدق ما جاء به؛ حيث كان وحده لا عشيرة تحميه ولا جنود تؤويه، وقد بَادَى قومه بتسفيه آرائهم وفساد دينهم وعَيْب آلهتهم، وقد حملوا من بغضه وعداوته ما هو أعظم من الجبال الرواسي، وهم أهل القدرة والسطوة، وهو يقولُ لهم: اجتمعوا أنتم وشركاؤكم ومن استطعتم، وأبدوا كلَّ ما تقدرون عليه من الكيد، فأوقعوا بي إن قدرتُم على ذلك، فلم يقدروا على شيءٍ من ذلك، فعُلِمَ أنه الصادق حقًّا، وهم الكاذبون فيما يدعون.