لمَّا ذكر تعالى إهلاك الأمم المكذِّبة للرسل، وأنَّ أكثرهم منحرفون عن أهل الكتب الإلهية، وذلك كلُّه يقضي على الأديان بالذَّهاب والاضمحلال؛ ذكر أنَّه لولا أنه جعل في القرون الماضية بقايا من أهل الخير، يدعون إلى الهدى وينهون عن الفساد والرَّدى، فحصل من نفعهم، وأبقيت به الأديان، ولكنَّهم قليلون جدًّا ، وغاية الأمر أنَّهم نجوا باتِّباعهم المرسلين، وقيامهم بما قاموا به من دينهم، وبكون حجَّة الله أجراها على أيديهم؛ ليهلك من هَلَكَ عن بيِّنة ويحيا من حَيَّ عن بيَّنة {و} لكن {اتَّبع الذين ظلموا ما أُتْرِفوا فيه}؛ أي: اتَّبعوا ما هم فيه من النعيم والترف، ولم يبغوا به بدلاً. {وكانوا مجرمين}؛ أي: ظالمين باتِّباعهم ما أترِفوا فيه، فلذلك حقَّ عليهم العقابُ واستأصلهم العذابُ. وفي هذا حثٌّ لهذه الأمة أن يكون فيهم بقايا؛ مصلحون لما أفسد الناس، قائمون بدين الله، يدعون من ضلَّ إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويبصِّرونهم من العمى، وهذه الحالة أعلى حالة يرغب فيها الراغبون، وصاحبها يكون إماماً في الدين؛ إذا جعل عمله خالصاً لربِّ العالمين.