{إلاَّ مَن رَحِمَ ربُّك}: فهداهم إلى العلم بالحقِّ والعمل به والاتفاق عليه؛ فهؤلاء سبقت لهم سابقةُ السعادة وتداركتْهم العنايةُ الربَّانية والتوفيق الإلهيُّ، وأما من عداهم؛ فهم مخذولون مَوْكولون إلى أنفسهم. وقوله: {ولذلك خَلَقَهم}؛ أي: اقتضت حكمته أنَّه خلقهم ليكون منهم السعداء والأشقياء والمتفقون والمختلفون والفريق الذي هدى الله والفريق الذي حقت عليهم الضلالة؛ ليتبيَّن للعباد عدلُه وحكمتُه، وليُظْهِر ما كمن في الطباع البشرية من الخير والشرِّ، وليقوم سوقُ الجهاد والعبادات التي لا تتمُّ ولا تستقيم إلا بالامتحان والابتلاء، {و} لأنَّه {تمَّتْ كلمةُ ربِّك لأملأنَّ جهنَّم من الجِنَّة والناس أجمعينَ}: فلا بدَّ أن ييسِّر للنار أهلاً يعملون بأعمالها الموصلة إليها.