فقالوا رادِّين لقوله:
{يا هودُ ما جئتَنا ببيِّنةٍ}: إن كان قصدُهم ب
البينة البينة التي يقترحونها؛ فهذه غير لازمة للحقِّ، بل اللازم أن يأتي النبيُّ بآية تدلُّ على صحة ما جاء به، وإن كان قصدُهم أنه لم يأتهم ببيِّنة تشهدُ لما قاله بالصحة؛ فقد كذبوا في ذلك؛ فإنَّه ما جاء نبيٌّ لقومه إلاَّ وبعث الله على يديه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، ولو لم يكن له آية إلاَّ دعوتُه إياهم لإخلاص الدين لله وحده لا شريك له، والأمر بكلِّ عمل صالح وخُلُق جميل، والنهي عن كلِّ خُلُق ذميم من الشرك بالله والفواحش والظُّلم وأنواع المنكرات، مع ما هو مشتملٌ عليه هودٌ عليه السلام من الصفات التي لا تكون إلاَّ لخيار الخلق وأصدقهم، لكفى بها آيات وأدلة على صدقه، بل أهل العقول وأولو الألباب يرون أنَّ هذه الآية أكبر من مجرَّد الخوارق التي يراها بعض الناس هي المعجزات فقط. ومن آياته وبيِّناته الدالة على صدقه أنَّه شخصٌ واحدٌ، ليس له أنصار ولا أعوان، وهو يصرخُ في قومه ويناديهم ويعجِزُهم ويقول لهم: إنِّي توكلتُ على الله ربِّي وربكم،
{إنِّي أُشْهِدُ اللهَ واشْهَدوا أنِّي بريءٌ مما تشرِكونَ. من دونِهِ فكيدوني جميعاً ثم لا تُنظِرونِ}: وهم الأعداءُ الذين لهم السَّطوة والغَلَبة، ويريدون إطفاء ما معه من النور بأيِّ طريق كان، وهو غير مكترث منهم ولا مبال بهم، وهم عاجزون لا يقدرون أن ينالوه بشيءٍ من السُّوء، إنِّ في ذلك لآيات لقوم يعقلون. وقولهم:
{وما نحنُ بتارِكي آلهتنا عن قولِكَ}؛ أي: لا نترك عبادةَ آلهتنا لمجرَّد قولِكَ الذي ما أقمتَ عليه بيِّنةً بزعمهم.
{وما نحنُ لك بمؤمنينَ}: وهذا تأييس منهم لنبيِّهم هودٍ عليه السلام في إيمانهم، وأنهم لا يزالون في كفرهم يعمهون.