سورة النصر تفسير السعدي الآية 3

فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَٱسۡتَغۡفِرۡهُۚ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابَۢا ﴿٣﴾

تفسير السعدي سورة النصر

في هذه السورة الكريمة: بشارةٌ، وأمرٌ لرسوله عند حصولها، وإشارةٌ، وتنبيهٌ على ما يترتَّب على ذلك: فالبشارةُ هي البشارة بنصر الله لرسوله، وفتحه مكَّة، ودخول الناس {في دين الله أفواجاً} بحيث يكون كثيرٌ منهم من أهله وأنصاره بعد أن كانوا من أعدائه، وقد وقع هذا المبشَّر به. وأما الأمر بعد حصول النَّصر والفتح؛ فأمر [اللَّهُ] رسولَه أن يشكره على ذلك، ويسبِّح بحمده، ويستغفره. وأما الإشارة؛ فإن في ذلك إشارتين: إشارة أنَّ النَّصر يستمرُّ للدين ويزداد عند حصول التَّسبيح بحمد الله واستغفاره من رسوله؛ فإن هذا من الشُّكر، والله يقول: {لئن شكرتُمْ لأزيدَنَّكم}: وقد وُجِدَ ذلك في زمن الخلفاء الراشدين وبعدهم في هذه الأمَّة، لم يزل نصر الله مستمرًّا حتى وصل الإسلام إلى ما لم يصل إليه دينٌ من الأديان، ودخل فيه من لم يدخل في غيره، حتى حدث من الأمة من مخالفة أمر الله ما حدث، فابتُلوا بتفرُّق الكلمة وتشتُّت الأمر، فحصل ما حصل، ومع هذا؛ فلهذه الأمَّة وهذا الدِّين من رحمة الله ولطفه ما لا يخطر بالبال أو يدور في الخيال. وأما الإشارة الثانية؛ فهي الإشارة إلى أنَّ أجلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قرب ودنا، ووجه ذلك أنَّ عمره عمرٌ فاضلٌ، أقسم الله به، وقد عُهِدَ أنَّ الأمور الفاضلة تُخْتَم بالاستغفار؛ كالصلاة والحجِّ وغير ذلك، فأمر الله لرسوله بالحمد والاستغفار في هذه الحال إشارةٌ إلى أنَّ أجله قد انتهى؛ فلْيستعدَّ ويتهيَّأ للقاء ربِّه ويختم عمره بأفضل ما يجده صلوات الله وسلامه عليه، فكان [- صلى الله عليه وسلم -] يتأوَّل القرآن ويقول ذلك في صلاته؛ يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهمَّ ربَّنا وبحمدك، اللهمَّ! اغفر لي».