وهذه السورة مشتملةٌ على الاستعاذة بربِّ النَّاس ومالكهم وإلههم من الشيطان، الذي هو أصل الشُّرور كلِّها ومادتها، الذي من فتنته وشرِّه أنَّه يوسوس في صدور النَّاس؛ فيحسِّن لهم الشرَّ، ويريهم إيَّاه في صورة حسنةٍ، وينشِّط إرادتهم لفعله، ويثبِّطهم عن الخير ، ويريهم إيَّاه في صورةٍ غير صورتِه، وهو دائماً بهذه الحال، يوسوس ثم يخنُسُ؛ أي: يتأخَّر عن الوسوسة إذا ذكر العبد ربَّه واستعان [به] على دفعه؛ فينبغي له أن يستعين ويستعيذ ويعتصم بربوبيَّة الله للناس كلِّهم، وأنَّ الخلق كلَّهم داخلون تحت الرُّبوبيَّة والملك، فكلُّ دابَّةٍ هو آخذٌ بناصيتها، وبألوهيَّته التي خلقهم لأجلها؛ فلا تتمُّ لهم إلاَّ بدفع شرِّ عدوِّهم الذي يريد أن يقتَطِعَهم عنها ويحول بينهم وبينها، ويريد أن يجعلهم من حزبِه؛ لِيكونوا من أصحاب السعير، والوسواس كما يكون من الجنِّ يكون من الإنس، ولهذا قال: {من الجِنَّةِ والنَّاسِ}.