ثم قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلِكَ إلاَّ رجالاً}؛ أي: لم نرسل ملائكةً ولا غيرهم من أصناف الخلق؛ فلأيِّ شيءٍ يَسْتَغْرِبُ قومك رسالتك، ويزعُمون أنه ليس لك عليهم فضلٌ، فلك فيمَنْ قبلك من المرسلين أسوةٌ حسنةٌ. {نوحي إليهم من أهل القُرى}؛ أي: لا من البادية، بل من أهل القرى، الذين هم أكمل عقولاً وأصحُّ آراء، وليتبيَّن أمرهم ويتَّضح شأنهم. {أفلم يسيروا في الأرض}: إذا لم يصدِّقوا لقولك، {فينظروا كيفَ كان عاقبةُ الذين من قبلهم}: كيف أهلكهم اللهُ بتكذيبهم؛ فاحذروا أن تُقيموا على ما قاموا عليه، فيصيبكم ما أصابهم. {ولَدارُ الآخرة}؛ أي: الجنة وما فيها من النعيم المقيم، {خيرٌ للذين اتَّقَوْا}: الله في امتثال أوامره واجتناب نواهيه؛ فإنَّ نعيم الدُّنيا منغَّصٌ منكَّدٌ منقطعٌ، ونعيم الآخرة تامٌّ كامل لا يفنى أبداً، بل هو على الدوام في تزايدٍ وتواصل. عطاءً غير مجذوذ. {أفلا تعقلون}؛ أي: أفلا يكون لكم عقولٌ تؤثر الذي هو خير على الأدنى؟