ومن المعلوم أنَّ مَن هذا شأنه ووصفه خيرٌ من الآلهة المتفرِّقة التي هي مجرَّد أسماء لا كمال لها ولا فعال لديها، ولهذا قال: {ما تعبُدون من دونِهِ إلاَّ أسماءً سمَّيْتُموها أنتم وآباؤكم}؛ أي: كسوتُموها أسماءً [و] سمَّيتموها آلهة، وهي لا شيء، ولا فيها من صفات الألوهيَّة شيء. {ما أنزل الله بها من سلطانٍ}: بل أنزل الله السلطان بالنهي عن عبادتها وبيان بطلانها، وإذا لم يُنْزِلِ الله بها سلطاناً؛ لم يكنْ طريقٌ ولا وسيلةٌ ولا دليلٌ لها. لأن الحكمَ {لله}: وحدَه؛ فهو الذي يأمُرُ وينهى ويشرِّعُ الشرائع ويسنُّ الأحكام، وهو الذي أمركم {أن لا تعبُدوا إلاَّ إيَّاه ذلك الدين القيِّمُ}؛ أي: المستقيم الموصل إلى كلِّ خير، وما سواه من الأديان؛ فإنَّها غير مستقيمة، بل معوجَّة توصل إلى كلِّ شرٍّ. {ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمونَ}: حقائق الأشياء، وإلاَّ؛ فإنَّ الفرق بين عبادة الله وحده لا شريك له وبين الشرك به أظهر الأشياء وأبينها، ولكن لعدم العلم من أكثر الناس بذلك حَصَلَ منهم ما حصل من الشرك. فيوسف عليه السلام دعا صاحبي السجنِ لعبادة الله وحده وإخلاص الدِّين له، فيُحتمل أنهما استجابا وانقادا فتمَّت عليهما النعمة، ويُحتمل َّهما لم يزالا على شركهما، فقامت عليهما بذلك الحجة.