فتحيَّروا ولم يعرفوا لها وجهاً؛
{وقالوا أضغاثُ أحلام}؛ أي: أحلام لا حاصلَ لها ولا لها تأويلٌ. وهذا جزمٌ منهم بما لا يعلمون وتعذُّرٌ منهم بما ليس بعذرٍ. ثم قالوا:
{وما نحنُ بتأويل الأحلام بعالِمينَ}؛ أي: لا نَعْبُرُ إلا الرؤيا وأمَّا الأحلام التي هي من الشيطان أو من حديث النفس فإنَّا لا نعبرها. فجمعوا بين الجهل والجزم بأنها أضغاث أحلام والإعجاب بالنفس بحيثُ إنَّهم لم يقولوا: لا نعلمُ تأويلها! وهذا من الأمور التي لا تنبغي لأهل الدين والحِجا. وهذا أيضاً من لطف الله بيوسف عليه السلام؛ فإنَّه لو عَبَرَها ابتداءً قبل أن يعرِضَها على الملأ من قومه وعلمائهم فيعجزوا عنها؛ لم يكنْ لها ذلك الموقع، ولكن لما عرضها عليهم، فعجزوا عن الجواب، وكان الملك مهتمًّا لها غايةً، فعبرها يوسفُ؛ وقعتْ عندهم موقعاً عظيماً. وهذا نظيرُ إظهار الله فضلَ آدم على الملائكة بالعلم بعد أن سألهم فلم يعلموا، ثم سأل آدم فعلَّمهم أسماء كلِّ شيءٍ، فحصل بذلك زيادة فضله. وكما يُظْهِرُ فضلَ أفضل خلقِهِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - في القيامة أن يُلْهِمَ اللهُ الخلقَ أن يتشفَّعوا بآدم ثم ب
نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى عليهم السلام، فيعتذِرون عنها، ثم يأتون محمداً - صلى الله عليه وسلم -، فيقول: «أنا لها، أنا لها» ، فيشفع في جميع الخلق، وينال ذلك المقامَ المحمودَ الذي يغبِطُه به الأولون والآخرون؛ فسبحان من خَفِيَتْ ألطافُه ودقَّت في إيصاله البر والإحسان إلى خواصِّ أصفيائه وأوليائه.