يقول تعالى: مفرقاً بين أهل العلم والعمل وبين ضدِّهم: {أفَمَن يعلمُ أنَّما أنزِلَ إليك من ربِّك الحقُّ}: ففهم ذلك وعمل به. {كَمَنْ هو أعمى}: لا يعلم الحقَّ ولا يعمل به؛ فبينهما من الفرق كما بين السماء والأرض؛ فحقيقٌ بالعبد أن يتذكَّر ويتفكَّر، أيُّ الفريقين أحسن حالاً وخير مآلاً، فيؤثر طريقها، ويسلك خلف فريقها، ولكن ما كلُّ أحدٍ يتذكَّر ما ينفعه ويضره. {إنَّما يتذكَّر أولو الألباب}؛ أي: أولو العقول الرزينة والآراء الكاملة، الذين هم لبُّ العالم وصفوةُ بني آدم. فإن سألتَ عن وصفِهم؛ فلا تجدُ أحسن من وصف الله لهم بقوله: {الذين يُوفونَ بعهدِ اللهِ}: الذي عَهِدَهُ إليهم والذي عاهدهم عليه من القيام بحقوقه كاملة موفرة؛ فالوفاء بها توفيتها حقَّها من التتميم لها والنصح فيها، ومن تمام الوفاء بها أنَّهم {لا ينقُضون الميثاقَ}؛ أي: العهد الذي عاهدوا الله عليه، فدخل في ذلك جميع المواثيق والعهود والأيمان والنُّذور التي يعقِدُها العباد، فلا يكون العبد من أولي الألباب الذين لهم الثواب العظيم إلا بأدائها كاملةً وعدم نقضها وبخسها.