لما ذكر دعوة الرسل لقومهم ودوامهم على ذلك وعدم مللهم؛ ذكر منتهى ما وصلت بهم الحال مع قومهم، فقال: {وقال الذين كفروا لرسلهم}: متوعِّدين لهم: {لَنُخْرِجَنَّكم من أرضِنا أو لَتعودُنَّ في مِلَّتنا}: وهذا أبلغ ما يكون من الردِّ، وليس بعد هذا فيهم مطمع؛ لأنَّه ما كفاهم أن أعرضوا عن الهدى، بل توعَّدوهم بالإخراج من ديارهم، ونسبوها إلى أنفسهم، وزعموا أنَّ الرسل لا حقَّ لهم فيها، وهذا من أعظم الظُّلم؛ فإنَّ الله أخرج عباده إلى الأرض، وأمرهم بعبادته، وسخَّر لهم الأرض وما عليها يستعينون بها على عبادته؛ فمن استعان بذلك على عبادة الله؛ حلَّ له ذلك وخرج من التَّبِعة، ومن استعان بذلك على الكفر وأنواع المعاصي؛ لم يكن ذلك خالصاً له ولم يحلَّ له، فعلم أن أعداء الرسل في الحقيقة ليس لهم شيء من الأرض التي تَوَعَّدوا الرسل بإخراجهم منها. وإن رجَعْنا إلى مجرَّد العادة؛ فإنَّ الرسل من جملة أهل بلادهم وأفراد منهم؛ فلأيِّ شيء يمنعونهم حقًّا لهم صريحاً واضحاً؟! هل هذا إلا من عدم الدين والمروءة بالكلية؟! ولهذا لما انتهى مكرهم بالرسل إلى هذه الحال؛ ما بقي حينئذٍ إلاَّ أن يُمضي الله أمره وينصر أولياءه. {فأوحى إليهم ربُّهم لَنُهْلِكَنَّ الظالمين}: بأنواع العقوبات.