يخبر تعالى عن شناعة حال مَن كَفَرَ به من بعد إيمانه فعمي بعدما أبصر، ورجع إلى الضلال بعدما اهتدى، وشَرَحَ صدرَه بالكفر راضياً به مطمئنًّا: أنَّ لهم الغضبَ الشديدَ من الربِّ الرحيم، الذي إذا غَضِبَ؛ لم يَقُمْ لغضبِهِ شيء وغضب عليهم كلُّ شيء. {ولهم عذابٌ عظيمٌ}؛ أي: في غاية الشدَّة، مع أنَّه دائمٌ أبداً. وذلك أنَّهم {استحبُّوا الحياة الدُّنيا على الآخرة}: حيث ارتدُّوا على أدبارهم؛ طمعاً في شيء من حطام الدُّنيا، ورغبةً فيه، وزهداً في خير الآخرة. فلمَّا اختاروا الكفر على الإيمان؛ منعهم الله الهداية، فلم يهدِهم؛ لأنَّ الكفر وصفُهم، فطبع على قلوبهم؛ فلا يدخُلُها خيرٌ، وعلى سمعهم وعلى أبصارهم؛ فلا ينفذُ منها ما ينفعهم ويصل إلى قلوبهم، فشملتْهم الغفلةُ وأحاط بهم الخِذْلان وحُرِموا رحمة الله التي وسعت كلَّ شيء، وذلك أنَّها أتتهم فردُّوها وعُرِضَتْ عليهم فلم يقبَلوها.