أي: احتجَّ المشركون على شركهم بمشيئة الله، وأنَّ الله لو شاء ما أشركوا ولا حرَّموا شيئاً من
الأنعام التي أحلَّها؛ كالبحيرة والوصيلة والحام ونحوها من دونه، وهذه حجَّةٌ باطلةٌ؛ فإنَّها لو كانت حقًّا؛ ما عاقب الله الذين من قبلهم حيث أشركوا به، فعاقبهم أشدَّ العقاب؛ فلو كان يحبُّ ذلك منهم؛ لما عذَّبهم. وليس قصدهم بذلك إلاَّ ردَّ الحقِّ الذي جاءت به الرسل، وإلاَّ؛ فعندهم علمٌ أنه لا حجَّة لهم على الله؛ فإنَّ الله أمرهم ونهاهم، ومكَّنهم من القيام بما كلَّفهم، وجعل لهم قوَّة ومشيئة تصدُر عنها أفعالهم؛ فاحتجاجُهم بالقضاء والقَدَر من أبطل الباطل، هذا وكل أحدٍ يعلم بالحسِّ قدرة الإنسان على كُلِّ فعلٍ يريده من غير أن ينازِعَه منازِعٌ؛ فجمعوا بين تكذيب الله وتكذيب رسُلِهِ وتكذيب الأمور العقليَّة والحسيَّة.
{فهل على الرُّسل إلاَّ البلاغُ المبين}؛ أي: البيِّن الظاهر الذي يَصِلُ إلى القلوب ولا يبقى لأحدٍ على الله حجَّة؛ فإذا بَلَّغَتْهُمُ الرسل أمرَ ربِّهم ونهيَه ـ واحتجُّوا عليهم بالقَدَر ـ؛ فليس للرسل من الأمر شيء، وإنما حسابُهم على الله عزَّ وجلَّ.