أي: فإذا أردت القراءة لكتاب الله الذي هو أشرفُ الكُتُب وأجلُّها، وفيه صلاحُ القلوب والعلوم الكثيرة؛ فإنَّ الشيطان أحرصُ ما يكون على العبد عند شروعِهِ في الأمور الفاضلة، فيسعى في صرفِهِ عن مقاصدِها ومعانيها؛ فالطريق إلى السلامة من شرِّه الالتجاءُ إلى الله والاستعاذة به من شرِّه، فيقول القارئ: أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم؛ متدبِّراً لمعناها، معتمداً بقلبه على الله في صرفه عنه، مجتهداً في دفع وسواسه وأفكاره الرَّديئة، مجتهداً على السبب الأقوى في دفعه، وهو التحلِّي بحِلْية الإيمان والتوكُّل؛ فإنَّ الشيطان {ليس له سلطانٌ}؛ أي: تسلُّط {على الذين آمنوا وعلى ربِّهم}: وحده لا شريك له، {يتوكَّلونَ}: فيدفع الله عن المؤمنين المتوكِّلين عليه شرَّ الشيطان ولا يبقى له عليهم سبيلٌ. {إنَّما سلطانُه}؛ أي: تسلُّطه {على الذين يَتَوَلَّوْنه}؛ أي: يجعلونه لهم وليًّا، وذلك بتخلِّيهم عن ولاية الله، ودخولهم في طاعة الشيطان، وانضمامهم لحزبه؛ فهم الذين جعلوا له ولايةً على أنفسهم، فأزَّهم إلى المعاصي أزًّا، وقادهم إلى النار قَوْداً.