لما نهى تعالى عن الشرك به؛ أمر بالتوحيد، فقال: {وقضى ربُّك}: قضاء دينيًّا، وأمر أمراً شرعيًّا {أن لا تعبُدوا}: أحداً من أهل الأرض والسماوات الأحياء والأموات، {إلاَّ إيَّاه}: لأنَّه الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي له كلُّ صفة كمال، وله من تلك الصفة أعظمها، على وجهٍ لا يشبهه أحدٌ من خلقه، وهو المنعِمُ بالنعم الظاهرة والباطنة، الدافع لجميع النِّقم، الخالق، الرازق، المدبِّر لجميع الأمور؛ فهو المتفرِّد بذلك كلِّه، وغيره ليس له من ذلك شيء. ثم ذكر بعد حقِّه القيام بحقِّ الوالدين، فقال: {وبالوالدين إحساناً}؛ أي: أحسنوا إليهما بجميع وجوه الإحسان القوليِّ والفعليِّ؛ لأنهما سببُ وجود العبد، ولهما من المحبَّة للولد والإحسان إليه، والقرب ما يقتضي تأكُّد الحقِّ ووجوب البرِّ. {إمَّا يَبْلُغَنَّ عندَكَ الكِبَرَ أحدُهما أو كلاهما}؛ أي: إذا وصلا إلى هذا السنِّ الذي تضعُفُ فيه قواهما ويحتاجان من اللُّطف والإحسان ما هو معروفٌ، {فلا تَقُلْ لهما أفٍّ}: وهذا أدنى مراتب الأذى، نبَّه به على ما سواه، والمعنى: لا تؤذِهِما أدنى أذيَّة، {ولا تَنْهَرْهُما}؛ أي: تزجُرهما وتتكلَّم لهما كلاماً خشناً. {وقلْ لهما قولاً كريماً}: بلفظٍ يحبَّانه، وتأدَّب وتلطَّف بكلام ليِّن حسن يلذُّ على قلوبهما، وتطمئنُّ به نفوسهما، وذلك يختلفُ باختلاف الأحوال والعوائد والأزمان.