ومن أعظم ما صرَّف فيه الآيات والأدلَّة التَّوحيد الذي هو أصل الأصول، فأمر به ونهى عن ضدِّه وأقام عليه من الحجج العقليَّة والنقليَّة شيئاً كثيراً؛ بحيث إنَّ من أصغى إلى بعضها لا تَدَعُ في قلبه شكًّا ولا ريباً، ومن الأدلَّة على ذلك هذا الدليل العقليُّ الذي ذكره هنا، فقال: {قل}: للمشركين الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر: {لو كان معه آلهةٌ كما يقولون}؛ أي: على موجب زعمهم وافترائهم؛ {إذاً لابْتَغَوا إلى ذي العرش سبيلاً}؛ أي: لاتَّخذوا سبيلاً إلى الله بعبادته والإنابة إليه والتقرُّب وابتغاء الوسيلة؛ فكيف يجعل العبد الفقير الذي يرى شدَّة افتقاره لعبوديَّة ربِّه إلهاً مع الله؟! هل هذا إلاَّ من أظلم الظلم وأسفه السَّفَه؛ فعلى هذا المعنى تكون هذه الآية كقوله تعالى: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب}: وكقوله تعالى: {ويوم يَحْشُرُهم وما يعبُدون من دون الله فيقول أأنتُم أضللتُم عبادي هؤلاء أم هُم ضلُّوا السبيل قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتَّخذ من دونِكَ من أولياءَ}. ويُحتمل أنَّ المعنى في قوله: {قُلْ لو كان معه آلهةٌ كما يقولون إذاً لابْتَغَوْا إلى ذي العرش سبيلاً}؛ أي: لطلبوا السبيل وسَعَوْا في مغالبة الله تعالى، فإما أن يعلوا عليه فيكون مَنْ علا وقَهَرَ هو الربَّ الإله، فأما وقد علموا أنهم يقرُّون أنَّ آلهتهم التي يدعون من دون الله مقهورةٌ مغلوبةٌ ليس لها من الأمر شيء؛ فلم اتَّخذوها وهي بهذه الحال؟! فيكون هذا كقوله تعالى: {ما اتَّخَذَ اللهُ من ولدٍ وما كان معه من إلهٍ إذاً لَذَهَبَ كلُّ إلهٍ بما خَلَقَ ولعلا بعضهم على بعض}.