يقول تعالى: {ولقد صرَّفْنا للناس في هذا القرآن من كلِّ مثل}؛ أي: نوَّعنا فيه المواعظ والأمثال، وثنَّيْنا فيه المعاني التي يضطرُّ إليها العبادُ لأجل أن يتذكَّروا ويتَّقوا، فلم يتذكَّر إلا القليلُ منهم، الذين سبقت لهم من الله سابقةُ السعادة، وأعانهم الله بتوفيقه، وأما أكثر الناس؛ فأبَوْا إلا كُفوراً لهذه النعمة التي هي أكبرُ من جميع النعم، وجعلوا يتعنَّتون عليه آياتٍ غيرَ آياتِهِ يخترِعونها من تِلقاء أنفسهم الظالمة الجاهلة، فيقولون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي أتى بهذا القرآن المشتمل على كل برهان وآية: {لن نؤمنَ لك حتَّى تَفْجُرَ لنا من الأرض يَنبوعاً}؛ أي: أنهاراً جاريةً، {أو تكونَ لك جنَّةٌ من نخيل وعنبٍ}: فتستغني بها عن المشي في الأسواق والذَّهاب والمجيء، {أو تُسْقِطَ السماء كما زَعَمْتَ علينا كِسَفاً}؛ أي: قطعاً من العذاب، {أو تأتيَ بالله والملائكةِ قَبيلاً}؛ أي؛ جميعاً أو مقابلةً ومعاينةً يشهدون لك بما جئت به، {أو يكونَ لك بيتٌ من زخرفٍ}؛ أي: مزخرف بالذهب وغيره، {أو تَرْقى في السماء}: رُقِيًّا حسيًّا. {و} مع هذا فلن {نؤمنَ لِرُقِيِّكَ حتى تنزِّلَ علينا كتاباً نقرَؤه}. ولما كانتْ هذه تعنُّتات وتعجيزات وكلام أسفه الناس وأظلمهم، المتضمِّنة لردِّ الحقِّ وسوء أدبٍ مع الله، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الذي يأتي بالآيات؛ أمره الله أن ينزِّهَهُ، فقال: {قل سبحانَ ربِّي}: عمَّا تقولون علواً كبيراً، وسبحانه أن تكونَ أحكامُهُ وآياتُهُ تابعةً لأهوائهم الفاسدة وآرائهم الضالَّة. {هل كنتُ إلاَّ بشراً رسولاً}: ليس بيده شيء من الأمر.