لمَّا نهاه الله عن استفتاء أهل الكتاب في شأن أهل
الكهف لعدم علمهم بذلك، وكان الله عالم الغيب والشهادة العالم بكلِّ شيء؛ أخبره الله بمدَّة لَبثهم، وأنَّ علم ذلك عنده وحدَه؛ فإنَّه من غيب السماواتِ والأرض، وغيبُها مختصٌّ به؛ فما أخبر به عنها على ألسنةِ رُسُلِهِ؛ فهو الحقُّ اليقين الذي لا يُشَكُّ فيه، وما لا يُطْلِعُ رسلَه عليه؛ فإنَّ أحداً من الخلق لا يعلمه. وقوله:
{أبصِرْ به وأسمعْ}: تعجُّبٌ من كمال سمعه وبصره وإحاطتهما بالمسموعات والمبصَرات بعدما أخبر بإحاطة علمِهِ بالمعلومات، ثم أخبر عن انفراده بالولاية العامَّة والخاصَّة؛ فهو الوليُّ الذي يتولَّى تدبير جميع الكون، والوليُّ لعباده المؤمنين؛ يخرِجُهم من الظُّلمات إلى النور، وييسِّرهم لليسرى، ويجنِّبهم العسرى، ولهذا قال:
{ما لهم من دونِهِ من وليٍّ}؛ أي: هو الذي تولَّى أصحاب
الكهف بلطفِهِ وكرمِهِ، ولم يَكِلْهم إلى أحدٍ من الخلق.
{ولا يُشْرِكُ في حكمِهِ أحداً}: وهذا يشمَلُ الحكمَ الكونيَّ القدريَّ والحكم الشرعيَّ الدينيَّ؛ فإنَّه الحاكم في خلقه قضاءً وقدراً وخلقاً وتدبيراً، والحاكم فيهم بأمرِهِ ونهيِهِ وثوابِهِ وعقابِهِ. ولما أخبر أنه تعالى له غيب السماواتِ والأرض؛ فليس لمخلوقٍ إليها طرها طريقٌ إلاَّ عن الطريق التي يُخبر بها عبادَه، وكان هذا القرآن قد اشتمل على كثيرٍ من الغُيوب؛ أمر تعالى بالإقبال عليه،