ثم لم يكفِهِ هذا الافتخار على صاحبه، حتى حَكَمَ بجهله وظلمه، وظنَّ لما دخل جنته، {فقال ما أظنُّ أن تبيدَ}؛ أي: تنقطعَ وتضمحلَّ {هذه أبداً}: فاطمأنَّ إلى هذه الدنيا، ورضي بها، وأنكر البعث، فقال: {وما أظنُّ الساعة قائمةً ولئن رُدِدتُّ إلى ربِّي}: على ضرب المثل؛ {لأجِدَنَّ خيراً منها مُنْقَلَباً}؛ أي: ليعطيني خيراً من هاتين الجنتين! وهذا لا يخلو من أمرين: إمَّا أن يكون عالماً بحقيقة الحال، فيكون كلامُهُ هذا على وجه التهكُّم والاستهزاء، فيكون زيادةَ كفرٍ إلى كفرِهِ. وإما أن يكون هذا ظنَّه في الحقيقة، فيكون من أجهل الناس وأبخسهم حظًّا من العقل؛ فأيُّ تلازم بين عطاء الدُّنيا وعطاء الآخرة حتى يظنَّ بجهله أنَّ من أُعْطِي في الدنيا أُعْطِيَ في الآخرة؟! بل الغالب أنَّ الله تعالى يَزْوي الدُّنيا عن أوليائِهِ وأصفيائِهِ، ويوسِّعها على أعدائه، الذين ليس لهم في الآخرة نصيبٌ. والظاهر أنَّه يعلم حقيقة الحال، ولكنَّه قال هذا الكلام على وجه التهكُّم والاستهزاء؛ بدليل قوله: {وَدَخَلَ جنَّته وهو ظالمٌ لنفسِهِ}: فإثْبات أنَّ وصفه الظلم في حال دخوله الذي جرى منه من القول ما جرى، يدلُّ على تمرُّده وعناده.