أي: في تلك الحال التي أجرى الله فيها العقوبة على من طغى وآثر الحياة الدُّنيا، والكرامة لمن آمن وعمل صالحاً وشكر الله ودعا غيره لذلك؛ تبيَّن وتوضَّح أن الولاية الحق لله وحده ؛ فمن كان مؤمناً به تقيًّا؛ كان له وليًّا، فأكرمه بأنواع الكرامات، ودَفَعَ عنه الشرور والمَثُلات ـ ومن لم يؤمنْ بربِّه ويتولاَّه؛ خَسِرَ دينه ودُنياه ـ فثوابُهُ الدنيويُّ والأخرويُّ خيرُ ثواب يُرجى ويؤمَّل. ففي هذه القصة العظيمة اعتبارٌ بحال الذي أنعم الله عليه نعماً دنيويَّة، فألهتْه عن آخرته، وأطغتْه، وعصى الله فيها، أنَّ مآلها الانقطاع والاضمحلال، وأنَّه وإنْ تمتَّع بها قليلاً؛ فإنَّه يحرمها طويلاً، وأنَّ العبد ينبغي له إذا أعجبه شيءٌ من مالِهِ أو ولدِهِ أن يضيفَ النعمة إلى موليها ومُسْديها، وأن يقولَ: ما شاء اللهُ، لا قوَّة إلاَّ بالله؛ ليكون شاكراً [لله] متسبِّباً لبقاء نعمته عليه؛ لقوله: {ولولا إذْ دخلتَ جنَّتَك قلتَ ما شاء اللهُ لا قوَّةَ إلاَّ بالله}. وفيها: الإرشاد إلى التسلِّي عن لذَّات الدُّنيا وشهواتها بما عند الله من الخير؛ لقوله: {إنْ تَرَنِ أنا أقلَّ منك مالاً وولَداً فعسى ربِّي أن يُؤْتِيَني خيراً من جنَّتك}. وفيها: أنَّ المال والولد لا ينفعانِ إنْ لم يُعينا على طاعة الله؛ كما قال تعالى: {وما أموالكم ولا أولادُكم بالتي تُقَرِّبُكم عندنا زُلفى إلاَّ مَنْ آمنَ وعملَ صالحاً}. وفيه: الدُّعاء بِتَلَفِ مال مَنْ كان مالُهُ سببَ طغيانِهِ وكفره وخسرانِهِ، خصوصاً إنْ فضَّل نفسه بسببهِ على المؤمنين، وفَخَرَ عليهم. وفيها: أنَّ ولاية الله وعدمها إنما تتَّضح نتيجتها إذا انجلى الغبار وحقَّ الجزاء، ووجد العاملونَ أجرهم؛ فـ {هنالِكَ الوَلاية لله الحقِّ هو خيرٌ ثواباً وخيرٌ عُقْباً}؛ أي: عاقبةً ومآلاً.