ولهذا أخبر تعالى أنَّ المال والبنين {زينةُ الحياة الدُّنيا}؛ أي: ليس وراء ذلك شيءٌ، وأنَّ الذي يبقى للإنسان وينفعُهُ ويسرُّه الباقيات الصالحات، وهذا يَشْمَلُ جميع الطاعات الواجبات والمستحبَّة من حقوق الله وحقوق عبادِهِ من صلاةٍ وزكاةٍ وصدقةٍ وحجٍّ وعمرةٍ وتسبيح وتحميدٍ وتهليل [وتكبير] وقراءةٍ وطلب علم نافع وأمرٍ بمعروفٍ ونهي عن منكرٍ وصلة رحم وبرِّ والدين وقيام بحقِّ الزوجات والمماليك والبهائم وجميع وجوه الإحسان إلى الخلق، كلُّ هذا من الباقيات الصالحات؛ فهذه خيرٌ عند الله ثواباً وخيرٌ أملاً؛ فثوابُها يبقى ويتضاعفُ على الآباد، ويؤمَّل أجرُها وبرُّها ونفعها عند الحاجة؛ فهذه التي ينبغي أن يَتَنافَس بها المتنافسون، ويستبقَ إليها العاملون، ويجدَّ في تحصيلها المجتهدون. وتأمَّل كيف لما ضَرَبَ الله مثل الدُّنيا وحالها واضمحلالها؛ ذَكَرَ أنَّ الذي فيها نوعان: نوعٌ من زينتها يُتمتَّع به قليلاً ثم يزول بلا فائدةٍ تعود لصاحبه، بل ربَّما لحقته مضرَّته، وهو المال والبنون. ونوعٌ يبقى لصاحبِهِ على الدَّوام، وهي الباقياتُ الصالحاتُ.