{فكُلي}: من التمر، {واشْربي}: من النهر، {وقَرِّي عَيْناً}: بعيسى؛ فهذا طمأنينتها من جهة السلامة من ألم الولادة وحصول المأكل والمشرب الهنيِّ، وأما من جهة قالة الناس؛ فأمرها أنَّها إذا رأت أحداً من البشر أنْ تقولَ على وجه الإشارة: {إنِّي نذرتُ للرحمن صوماً}؛ أي: سكوتاً، {فلن أكلِّمَ اليوم إنسيًّا}؛ أي: لا تخاطبيهم بكلام لتستريحي من قولهم وكلامهم، وكان معروفاً عندهم أنَّ السكوت من العبادات المشروعة. وإنَّما لم تؤمَرْ بمخاطبتهم في نفي ذلك عن نفسها، لأنَّ الناس لا يصدِّقونها، ولا فيه فائدة، وليكون تبرئتها بكلام عيسى في المهد أعظم شاهدٍ على براءتها؛ فإنَّ إتيان المرأة بولدٍ من دون زوج ودعواها أنَّه من غير أحدٍ من أكبر الدعاوى التي لو أقيم عدَّة من الشهود لم تصدَّق بذلك، فجُعِلَتْ بيِّنةُ هذا الخارق للعادة أمراً من جنسه، وهو كلام عيسى في حال صغره جدًّا،