أي: ولما جاءهم هذا الرسول الكريم بالكتاب العظيم بالحق الموافق لما معهم وكانوا يزعمون أنهم متمسكون بكتابهم، فلما كفروا بهذا الرسول وبما جاء به {نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله}؛ الذي أنزل إليهم أي طرحوه رغبة عنه {وراء ظهورهم}؛ وهذا أبلغ في الإعراض كأنهم في فعلهم هذا من الجاهلين وهم يعلمون صدقه وحقيقة ما جاء به، تبين بهذا أن هذا الفريق من أهل الكتاب لم يبق في أيديهم شيء حيث لم يؤمنوا بهذا الرسول، فصار كفرهم به كفراً بكتابهم من حيث لا يشعرون. ولما كان من العوائد القدرية والحكمة الإلهية أن من ترك ما ينفعه وأمكنه الانتفاع به ولم ينتفع؛ ابتلي بالاشتغال بما يضره، فمن ترك عبادة الرحمن؛ ابتليَ بعبادة الأوثان، ومن ترك محبة الله وخوفه ورجاءه؛ ابتليَ بمحبة غير الله وخوفه ورجائه، ومن لم ينفق ماله في طاعة الله أنفقه في طاعة الشيطان، ومن ترك الذلَّ لربه؛ ابتليَ بالذل للعبيد، ومن ترك الحق؛ ابتليَ بالباطل.