وهذه دعوى أخرى منهم ومحاجة في رسل الله زعموا أنهم أولى بهؤلاء الرسل المذكورين من المسلمين؛ فردَّ الله عليهم بقوله: {أأنتم أعلم أم الله}؛ فالله يقول: {ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين}؛ وهم يقولون بل كان يهودياً أو نصرانياً، فإما أن يكونوا هم الصادقين العالمين أو يكون الله تعالى هو الصادق العالم بذلك، فأحد الأمرين متعين لا محالة، وصورة الجواب مبهم وهو في غاية الوضوح والبيان، حتى أنه من وضوحه لم يحتج أن يقول بل الله أعلم وهو أصدق، ونحو ذلك لانجلائه لكل أحد، كما إذا قيل الليل أنور أم النهار؟ والنار أحر أم الماء؟ والشرك أحسن أم التوحيد؟ ونحو ذلك، وهذا يعرفه كل من له أدنى عقل حتى أنهم بأنفسهم يعرفون ذلك ويعرفون أن إبراهيم وغيره من الأنبياء لم يكونوا هوداً ولا نصارى، فكتموا هذا العلم وهذه الشهادة، فلهذا كان ظلمهم أعظم الظلم، ولهذا قال تعالى: {ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله}؛ فهي شهادة عندهم مودعة من الله لا من الخلق فيقتضي الاهتمام بإقامتها، فكتموها وأظهروا ضدها، جمعوا بين كتم الحق وعدم النطق به وإظهار الباطل والدعوة إليه، أليس هذا أعظم الظلم؟ بلى والله وسيعاقبهم عليه أشد العقوبة، فلهذا قال: {وما الله بغافل عما تعملون}؛ بل قد أحصى أعمالهم وعدها وادَّخر لهم جزاءها، فبئس الجزاءُ جزاؤهم، وبئست النار مثوى للظالمين. وهذه طريقة القرآن في ذكر العلم والقدرة عقب الآيات المتضمنة للأعمال التي يجازى عليها، فيفيد ذلك الوعد والوعيد والترغيب والترهيب، ويفيد أيضاً ذكر الأسماء الحسنى بعد الأحكام أن الأمر الديني والجزائي أثرٌ من آثارها وموجب من موجباتها وهي مقتضية له. ثم قال تعالى: