لما ذكر تبارك وتعالى الأمر بالاستعانة بالصبر على جميع الأحوال ذكر نموذجاً مما يستعان بالصبر عليه وهو الجهاد في سبيله وهو أفضل الطاعات البدنية وأشقها على النفوس لمشقته في نفسه ولكونه مؤدياً للقتل وعدم الحياة التي إنما يرغب الراغبون في هذه الدنيا لحصول الحياة ولوازمها، فكل ما يتصرفون به فإنه سعيٌ لها ودفع لما يضادها. ومن المعلوم أن المحبوب لا يتركه العاقل إلا لمحبوب أعلى منه وأعظم، فأخبر تعالى أن من قتل في سبيله بأن قاتل في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا ودينه الظاهر لا لغير ذلك من الأغراض فإنه لم تفته الحياة المحبوبة بل حصل له حياة أعظم وأكمل مما تظنون وتحسبون، فالشهداء {أحياء عند ربهم يرزقون. فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألاَّ خوف عليهم ولا هم يحزنون. يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين}؛ فهل أعظم من هذه الحياة المتضمنة للقرب من الله تعالى وتمتعهم برزقه البدني في المأكولات والمشروبات اللذيذة والرزق الروحي وهو الفرح وهو الاستبشار وزوال كل خوف وحزن وهذه حياة برزخية أكمل من الحياة الدنيا، بل قد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش. وفي هذه الآية أعظم حث على الجهاد في سبيل الله وملازمة الصبر عليه، فلو شعر العباد بما للمقتولين في سبيل الله من الثواب لم يتخلف عنه أحد، ولكن عدم العلم اليقيني التام هو الذي فتر العزائم وزاد نوم النائم وأفات الأجور العظيمة والغنائم، لم لا يكون كذلك والله تعالى قد {اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون}؛ فوالله لو كان للإنسان ألف نفس تذهب نفساً فنفساً في سبيل الله لم يكن عظيماً في جانب هذا الأجر العظيم. ولهذا لا يتمنى الشهداء بعدما عاينوا من ثواب الله وحسن جزائه إلا أن يُرَدُّوا إلى الدنيا؛ حتى يقتلوا في سبيله مرة بعد مرة. وفي الآية دليل على نعيم البرزخ وعذابه كما تكاثرت بذلك النصوص.