هذه الآية وإن كانت نازلة في أهل الكتاب وما كتموا من شأن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وصفاته فإن حكمها عامٌّ لكل من اتصف بكتمان ما أنزل الله {من البينات}؛ الدالات على الحق المظهرات له {والهدى}؛ وهو العلم الذي تحصل به الهداية إلى الصراط المستقيم، ويتبين به طريق أهل النعيم من طريق أهل الجحيم، فإن الله أخذ الميثاق على أهل العلم بأن يبينوا للناس ما منَّ الله به عليهم من علم الكتاب ولا يكتموه، فمن نبذ ذلك وجمع بين المفسدتين: كتم ما أنزل الله والغش لعباد الله فأولئك {يلعنهم الله}؛ أي: يبعدهم ويطردهم عن قربه ورحمته {ويلعنهم اللاعنون}؛ وهم جميع الخليقة، فتقع عليهم اللعنة من جميع الخليقة لسعيهم في غش الخلق وفساد أديانهم وإبعادهم من رحمة الله، فجوزوا من جنس عملهم، كما أن معلم الناس الخير يصلي الله عليه وملائكته حتى الحوت في جوف الماء لسعيه في مصلحة الخلق وإصلاح أديانهم، وقربهم من رحمة الله، فجوزي من جنس عمله. فالكاتم لما أنزله الله مضاد لأمر الله مشاق لله، يبين الله الآيات للناس ويوضحها، وهذا يسعى في طمسها وإخفائها ، فهذا عليه هذا الوعيد الشديد.