{ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}؛ أي: ثم أفيضوا من مزدلفة من حيث أفاض الناس من لدن إبراهيم عليه السلام إلى الآن، والمقصود من هذه الإفاضة كان معروفاً عندهم، وهو رمي الجمار، وذبح الهدايا، والطواف والسعي والمبيت بمنى ليالي التشريق، وتكميل باقي المناسك، ولما كانت هذه الإفاضة يقصد بها ما ذكر والمذكورات آخر المناسك، أمر تعالى عند الفراغ منها باستغفاره والإكثار من ذكره، فالاستغفار للخلل الواقع من العبد في أداء عبادته وتقصيره فيها، وذكر الله شكر الله على إنعامه عليه بالتوفيق لهذه العبادة العظيمة والمنة الجسيمة، وهكذا ينبغي للعبد كلما فرغ من عبادة أن يستغفر الله عن التقصير، ويشكره على التوفيق، لا كمن يرى أنه قد أكمل العبادة، ومنَّ بها على ربه، وجعلت له محلاًّ ومنزلة رفيعة، فهذا حقيق بالمقت ورد العمل، كما أن الأول حقيق بالقبول والتوفيق لأعمال أخر.