لما نزل قوله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً}؛ شق ذلك على المسلمين وعزلوا طعامهم عن طعام اليتامى خوفاً على أنفسهم من تناولها ولو في هذه الحالة التي جرت العادة بالمشاركة فيها، وسألوا النبي - صلى الله عليه وسلم -، عن ذلك ، فأخبرهم تعالى أن المقصود إصلاح أموال اليتامى بحفظها وصيانتها والاتجار فيها، وأن خلطتهم إياهم في طعام وغيره جائز على وجه لا يضر باليتامى لأنهم إخوانكم ومن شأن الأخ مخالطة أخيه، والمرجع في ذلك إلى النية والعمل، فمن علم [اللهُ] من نيته أنه مصلح لليتيم وليس له طمع في ماله فلو دخل عليه شيء من غير قصد لم يكن عليه بأس، ومن علم الله من نيته أن قصده بالمخالطة التوصل إلى أكلها [وتناولها] فذلك الذي حُرِّجَ وأُثِّم، والوسائل لها أحكام المقاصد. وفي هذه الآية دليل على جواز أنواع المخالطات في المآكل والمشارب والعقود وغيرها، وهذه الرخصة لطف من الله تعالى وإحسان وتوسعة على المؤمنين وإلا، فلو {شاء الله لأعنتكم}؛ أي: شق عليكم بعدم الرخصة بذلك فحُرِّجْتُم وشُقَّ عليكم وأثمتم {إن الله عزيز}؛ أي: له القوة الكاملة والقهر لكل شيء ولكنه مع ذلك {حكيم}؛ لا يفعل إلا ما هو مقتضى حكمته الكاملة وعنايته التامة فعزته لا تنافي حكمته فلا يقال إنه ما شاء فعل وافق الحكمة أو خالفها، بل يقال إن أفعاله وكذلك أحكامه تابعة لحكمته فلا يخلق شيئًا عبثًا بل لا بد له من حكمة عرفناها أم لم نعرفها، وكذلك لم يشرع لعباده شيئًا مجردًا عن الحكمة، فلا يأمر إلا بما فيه مصلحة خالصة أو راجحة ولا ينهى إلا عما فيه مفسدة خالصة أو راجحة لتمام حكمته ورحمته.