هذا بيان لكمال هذا الدين الإسلامي، وأنه لكمال براهينه، واتضاح آياته وكونه هو دين العقل والعلم ودين الفطرة والحكمة ودين الصلاح والإصلاح ودين الحق والرشد، فلكماله وقبول الفطر له لا يحتاج إلى الإكراه عليه، لأن الإكراه إنما يقع على ما تنفر عنه القلوب، ويتنافى مع الحقيقة والحق أو لما تخفى براهينه وآياته، وإلا فمن جاءه هذا الدين ورده ولم يقبله فإنه لعناده، فإنه {قد تبين الرشد من الغي} فلم يبق لأحد عذر ولا حجة إذا رده ولم يقبله. ولا منافاة بين هذا المعنى وبين الآيات الكثيرة الموجبة للجهاد، فإن الله أمر بالقتال ليكون الدين كله لله، ولدفع اعتداء المعتدين على الدين، وأجمع المسلمون على أن الجهاد ماضٍ مع البر والفاجر، وأنه من الفروض المستمرة الجهاد القولي والجهاد الفعلي، ومن ظن من المفسرين أن هذه الآية تنافي آيات الجهاد فجزم بأنها منسوخة فقوله ضعيف لفظاً ومعنى كما هو واضح بين لمن تدبر الآية الكريمة كما نبهنا عليه. ثم ذكر الله انقسام الناس إلى قسمين: قسم آمن بالله وحده لا شريك له وكفر بالطاغوت ـ وهو كل ما ينافي الإيمان بالله من الشرك وغيره ـ فهذا قد {استمسك بالعروة الوثقى} التي لا انفصام لها، بل هو مستقيم على الدين الصحيح حتى يصل به إلى الله وإلى دار كرامته. ويؤخذ القسم الثاني من مفهوم الآية أن من لم يؤمن بالله بل كفر به وآمن بالطاغوت فإنه هالك هلاكاً أبدياً ومعذب عذاباً سرمدياً. وقوله {والله سميع}؛ أي: لجميع الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات، وسميع لدعاء الداعين وخضوع المتضرعين. {عليم}؛ بما أكنته الصدور، وما خفي من خفايا الأمور، فيجازي كل أحد بحسب ما يعلمه من نياته وعمله.