يحث الباري عباده على الإنفاق مما كسبوا في التجارات، ومما أخرج لهم من الأرض من الحبوب والثمار، وهذا يشمل زكاة النقدين والعروض كلها المعدة للبيع والشراء والخارج من الأرض من الحبوب والثمار. ويدخل في عمومها الفرض والنفل، وأمر تعالى أن يقصدوا الطيب منها ولا يقصدوا الخبيث وهو الرديء الدون يجعلونه لله، ولو بذله لهم من لهم حق عليه لم يرتضوه، ولم يقبلوه إلا على وجه المغاضاة والإغماض، فالواجب إخراج الوسط من هذه الأشياء والكمال إخراج العالي، والممنوع إخراج الرديء فإن هذا لا يجزي عن الواجب، ولا يحصل فيه الثواب التام في المندوب. {واعلموا أن الله غني حميد}؛ فهو غني عن جميع المخلوقين، وهو الغني عن نفقات المنفقين وعن طاعات الطائعين، وإنما أمرهم بها وحثهم عليها لنفعهم ومحض فضله وكرمه عليهم، ومع كمال غناه وسعة عطاياه فهو الحميد فيما يشرعه لعباده من الأحكام الموصلة لهم إلى دار السلام، وحميد في أفعاله التي لا تخرج عن الفضل والعدل والحكمة، وحميد الأوصاف لأن أوصافه كلها محاسن وكمالات لا يبلغ العباد كنهها ولا يدركون وصفها. فلما حثهم على الإنفاق النافع نهاهم عن الإمساك الضار، وبين لهم أنهم بين داعيين: داعي الرحمن يدعوهم إلى الخير ويعدهم عليه الخير والفضل والثواب العاجل والآجل وإخلاف ما أنفقوا، وداعي الشيطان الذي يحثهم على الإمساك، ويخوفهم إن أنفقوا أن يفتقروا. فمن كان مجيباً لداعي الرحمن، وأنفق مما رزقه الله فليُبْشِر بمغفرة الذنوب وحصول كل مطلوب، ومن كان مجيباً لداعي الشيطان فإنه إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، فليختر العبد أي الأمرين أليق به. وختم الآية بأنه {واسع عليم}؛ أي واسع الصفات كثير الهبات عليم بمن يستحق المضاعفة من العاملين، وعليم بمن هو أهل فيوفقه لفعل الخيرات، وترك المنكرات.