{ومَنْ أعرضَ عن ذِكْري}؛ أي: كتابي الذي يُتَذَكَّر به جميع المطالب العالية، وأن يتركه على وجه الإعراض عنه أو ما هو أعظم من ذلك؛ بأن يكون على وجه الإنكار له والكفر به. {فإنَّ له معيشةً ضنكاً}؛ أي: فإنَّ جزاءه أن نَجْعَلَ معيشَته ضيقةً مشقَّةً، ولا يكون ذلك إلاَّ عذاباً. وفُسِّرت المعيشةُ الضَّنْك بعذاب القبر، وأنَّه يُضَيَّقُ عليه قبرُه، ويُحْصَرُ فيه، ويعذَّبُ جزاءً لإعراضِهِ عن ذِكْرِ ربِّه، وهذه إحدى الآيات الدالَّة على عذاب القبر. والثانية: قوله تعالى: {ولو تَرَى إذِ الظالمونَ في غَمَراتِ الموتِ والملائكةُ باسطو أيديهم ... } الآية. والثالثة: قوله: {وَلَنُذيقَنَّهم من العذابِ الأدنى دونَ العذابِ الأكبرِ}. والرابعة: قوله عن آل فرعون: {النارُ يُعْرَضونَ عليها غُدُوًّا وعَشِيًّا ... } الآية. والذي أوجب لمن فسرها بعذاب القبر فقط من السلف وقصروها على ذلك ـ والله أعلم ـ آخر الآية، وأنَّ الله ذَكَرَ في آخرها عذابَ يوم القيامة. وبعض المفسِّرين يرى أن المعيشة الضَّنْكَ عامَّة في دار الدنيا؛ بما يُصيبُ المعرِضَ عن ذِكْرِ ربِّه من الهموم والغموم والآلام، التي هي عذابٌ معجَّل، وفي دار البرزخ، وفي الدار الآخرة؛ لإطلاق المعيشة الضَّنْكِ وعدم تقييدها. {ونحشُرُه}؛ أي: هذا المعرض عن ذِكْر ربِّه {يومَ القيامةِ أعمى}: البصر على الصحيح؛ كما قال تعالى: {ونحشُرُهم يومَ القِيامة على وجوهِهِم عُمْياً وبُكْماً وصُمًّا}.