أي: {أفلم يَهْدِ}: لهؤلاء المكذِّبين المعرضين ويدلُّهم على سلوك طريق الرشاد وتجنُّب طريق الغيِّ والفسادِ ما أحلَّ الله بالمكذبين قبلَهم من القرون الخالية والأمم المتتابعة، الذين يعرِفون قَصَصهم، ويتناقلون أسمارهم، وينظرون بأعينهم مساكِنَهم من بعدهم؛ كقوم هودٍ وصالح ولوطٍ وغيرهم، وأنَّهم لما كذَّبوا رُسُلَنا وأعرضوا عن كُتُبِنا؛ أصبْناهم بالعذاب الأليم؛ فما الذي يؤمِّنُ هؤلاء أن يَحِلَّ بهم ما حلَّ بأولئك؟ {أكُفَّارُكُم خيرٌ من أولئِكُم أم لكم براءةٌ في الزُّبُر أم يقولونَ نحنُ جميعٌ مُنْتَصِرٌ}: لا شيء من هذا كلِّه، فليس هؤلاء الكفار خيراً من أولئك حتى يُدْفَع عنهم العذاب بخيرهم، بل هم شرٌّ منهم، لأنَّهم كفروا بأشرف الرسل وخير الكتب، وليس لهم براءةٌ مزبورةٌ وعهدٌ عند الله، وليسوا كما يقولون إنَّ جَمْعَهم ينفعهم ويدفَعُ عنهم، بل هم أذلُّ وأحقر من ذلك؛ فإهلاك القرون الماضية بذنوبهم من أسباب الهدايةِ؛ لكونِها من الآيات الدالَّة على صحَّة رسالة الرسل الذين جاؤوهم وبطلان ما هم عليه، ولكن ما كلُّ أحدٍ ينتفع بالآيات، إنَّما ينتفعُ بها أولو النُّهى؛ أي: العقول السليمة والفطر المستقيمة، والألباب التي تَزْجُرُ أصحابَها عمَّا لا ينبغي.