أي: قال المكذِّبون للرسول - صلى الله عليه وسلم -: هلاَّ يأتينا بآيةٍ من ربِّه؛ يعنونَ آيات الاقتراح؛ كقولهم: {وقالوا لَن نؤمنَ لك حتى تَفْجُرَ لنا من الأرضِ يَنبوعاً أو تكونَ لك جَنَّةٌ من نخيل وعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأنهار خلالها تَفْجِيرا. أو تسقِطَ السماء كما زعمتَ علينا كِسَفاً أو تأتيَ بالله والملائكةِ قَبيلاً}، وهذا تعنُّت منهم وعنادٌ وظلمٌ؛ فإنَّهم هم والرسول بشرٌ عبيدٌ لله؛ فلا يليقُ منهم الاقتراح بحسب أهوائهم، وإنَّما الذي ينزِلُها ويختارُ منها ما يختارُ بحسب حكمتِهِ هو الله، ولما كان قولهم: {لولا يأتينا بآية من ربِّه}: يقتضي أنَّه لم يأتِهِم بآيةٍ على صدقِهِ ولا بيِّنة على حقِّه، وهذا كذبٌ وافتراء؛ فإنه أتى من المعجزات الباهرات والآيات القاهرات ما يحصُلُ ببعضه المقصودُ، ولهذا قال: {أَوَلَمْ [تأتِهم]}: إن كانوا صادقينَ في قولهم، وأنهم يطلبُون الحقَّ بدليله، {بيِّنَةُ ما في الصُّحف الأولى}؛ أي: هذا القرآن العظيم، المصدِّق لما في الصحف الأولى من التوراة والإنجيل والكتب السابقة، المطابق لها، المخبر بما أخبرت به، وتصديقُهُ أيضاً مذكورٌ فيها، ومبشَّر بالرسول بها، وهذا كقولِهِ تعالى: {أَوَلَم يكفِهِم أنَّا أنزلنا عليك الكتابَ يُتلى عليهم إنَّ في ذلك لرحمةً وذِكْرى لقوم يؤمنونَ}؛ فالآياتُ تنفعُ المؤمنين ويزداد بها إيمانُهم وإيقانُهم، وأما المعرضونَ عنها المعارضون لها؛ فلا يؤمنونَ بها ولا ينتفعونَ بها. {إنَّ الذين حقَّتْ عليهم كلمةُ ربِّك لا يؤمنون. ولو جاءَتْهم كلُّ آيةٍ حتى يَرَوُا العذابَ الأليم}.