ومع هذا؛ فالتوبة معروضةٌ، ولو عمل العبد ما عمل من المعاصي، ولهذا قال: {وإنِّي لغفارٌ}؛ أي: كثير المغفرة والرحمة، {لمن تابَ}: من الكفر والبدعة والفسوق، و {آمن}: بالله وملائكته وكتبِهِ ورسلِهِ واليوم الآخر، {وعمل صالحاً}: من أعمال القلب والبدن وأقوال اللسان، {ثمَّ اهتدى}؛ أي: سلك الصراط المستقيم، وتابع الرسول الكريم، واقتدى بالدِّين القويم؛ فهذا يغفر الله أوزاره، ويعفو عما تقدَّم من ذنبه وإصراره؛ لأنَّه أتى بالسبب الأكبر للمغفرة والرحمة، بل الأسباب كلُّها منحصرةٌ في هذه الأشياء؛ فإنَّ التوبة تجبُّ ما قبلها، والإيمان والإسلام يهدم ما قبله، والعمل الصالحُ الذي هو الحسناتُ يُذْهِبُ السيئاتِ، وسلوكُ طرق الهداية، بجميع أنواعها، من تعلُّم علم وتدبُّر آية أو حديث، حتى يتبيَّن له معنى من المعاني يهتدي به، ودعوة إلى دين الحقِّ وردِّ بدعة أو كفر أو ضلالة وجهاد وهجرةٍ وغير ذلك، من جزئيَّات الهداية كلها مكفِّرات للذنوب محصِّلات لغاية المطلوب.