يذكر تعالى ائتفاكَ المكذِّبين بمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وبما جاء به من القرآن العظيم، وأنهم تقوَّلوا فيه ، وقالوا فيه الأقاويل الباطلة المختلفة؛ فتارةً يقولون: أضغاثُ أحلام بمنزلة كلام النائم الهاذي الذي لا يُحِسُّ بما يقول! وتارةً يقولون: افتراهُ واختلقَه وتقوَّله من عند نفسه! وتارةً يقولون: إنَّه شاعرٌ وما جاء به شِعر! وكلُّ مَن له أدنى معرفة بالواقع من حالة الرسول، ونظر في هذا الذي جاء به؛ جزم جزماً لا يقبل الشكَّ أنه أجلُّ الكلام وأعلاه، وأنَّه من عند الله، وأنَّ أحداً من البشر لا يقدِرُ على الإتيان بمثل بعضه؛ كما تحدَّى الله أعداءه بذلك ليعارِضوه مع توفُّر دواعيهم لمعارضته وعداوته، فلم يقدِروا على شيء من معارضته وهم يعلمون ذلك؛ وإلاَّ فما الذي أقامهم وأقعدهم وأقضَّ مضاجعهم وبلبل ألسنتهم إلا الحق الذي لا يقوم له شيء، وإنَّما يقولون هذه الأقوال فيه حيث لم يؤمنوا به؛ تنفيراً عنه لمن لم يعرِفْه، وهو أكبرُ الآيات المستمرَّة الدالَّة على صحَّة ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصدقه، وهو كافٍ شافٍ؛ فمن طَلَبَ دليلاً غيره أو اقترح آيةً من الآيات سواه؛ فهو جاهلٌ ظالمٌ مشبهٌ لهؤلاء المعاندين الذين كذَّبوه، وطلبوا من الآيات الاقتراحيَّة ما هو أضرُّ شيء عليهم، وليس لهم فيها مصلحةٌ؛ لأنَّهم إن كان قصدُهم معرفةَ الحقِّ إذا تبيَّن دليلُه؛ فقد تبيَّن دليلُه بدونها، وإن كان قصدُهم التعجيزَ وإقامة العذر لأنفسهم إن لم يأتِ بما طَلَبوا؛ فإنَّهم بهذه الحالة على فرض إتيان ما طلبوا من الآيات لا يؤمنون قطعاً؛ فلو جاءتهم كلُّ آيةٍ لا يؤمنون حتى يروا العذابَ الأليم، ولهذا قال الله عنهم: {فَلْيَأتِنا بآية كما أرْسِلَ الأولون}؛ أي: كناقة صالح وعصا موسى ونحو ذلك.