فردَّ عليهم إبراهيمُ ردًّا بيَّن به وجهَ سَفَهِهِم وقلَّة عقولهم، فقال: {بل ربُّكم ربُّ السمواتِ والأرض الذي فَطَرَهُنَّ وأنا على ذلكم من الشاهدينَ}: فجمع لهم بين الدَّليل العقليِّ والدَّليل السمعيِّ: أمَّا الدليلُ العقليُّ؛ فإنَّه قد عَلِمَ كلُّ أحدٍ، حتى هؤلاء الذين جادلهم إبراهيم: أنَّ الله وحده الخالقُ لجميع المخلوقات من بني آدم والملائكة والجنِّ والبهائم والسماوات والأرض المدبِّر لهنَّ بجميع أنواع التدبير، فيكون كلُّ مخلوق مفطوراً مدبَّراً متصرَّفاً فيه، ودخل في ذلك جميعُ ما عُبِدَ من دون الله، أفيليقُ عند مَنْ له أدنى مُسْكَةٍ من عقل وتمييزٍ، أن يَعْبُدَ مخلوقاً متصرَّفاً فيه، لا يملِكُ نفعاً، ولا ضرًّا، ولا موتاً، ولا حياةً، ولا نُشوراً، ويدع عبادة الخالق الرازق المدبِّر؟! وأما الدَّليل السمعيُّ؛ فهو المنقولُ عن الرُّسل عليهم الصلاة (والسلام) ؛ فإنَّ ما جاؤوا به معصومٌ لا يغلط ولا يخبِرُ بغير الحقِّ، ومن أنواع هذا القسم شهادةُ أحدٍ من الرُّسل على ذلك؛ فلهذا قال إبراهيم: {وأنا على ذلكم}؛ أي: أنَّ الله وحدَه المعبودُ، وأنَّ عبادةَ ما سواه باطلٌ، {من الشَّاهِدين}: وأيُّ شهادةٍ بعد شهادةِ الله أعلى من شهادة الرُّسل، خصوصاً أولي العزم منهم، خصوصاً خليل الرحمن؟