يذكر تعالى عظمة البيت الحرام وجلالته وعظمة بانيه، وهو خليل الرحمن، فقال: {وإذْ بوَّأنا لإبراهيمَ مكانَ البيتِ}؛ أي: هيأناه له وأنزلناه إياه، وجعل قسماً من ذُرِّيَّتِهِ من سكانه، وأمره الله ببنيانِهِ، فبناه على تقوى الله، وأسَّسه على طاعة الله، وبناه هو وابنُه إسماعيل، وأمره أن لا يُشْرِكَ به شيئاً؛ بأن يُخْلِصَ لله أعمالَه ويبنيه على اسم الله. {وَطَهِّرْ بيتيَ}؛ أي: من الشرك والمعاصي ومن الأنجاس والأدناس، وأضافَهُ الرحمن إلى نفسه لشرفه وفضله ولتعظُمَ محبتُه في القلوب، وتنصبَّ إليه الأفئدة من كلِّ جانب، وليكونَ أعظم لتطهيرِه وتعظيمِهِ؛ لكونه بيتَ الربِّ للطائفين به والعاكفين عنده، المقيمين لعبادةٍ من العبادات من ذكرٍ وقراءةٍ وتعلُّم علم وتعليمِهِ وغير ذلك من أنواع القرب، {والرُّكَّع السُّجود}؛ أي: المصلين؛ أي: طهره لهؤلاء الفضلاء الذين همُّهم طاعة مولاهم وخدمتُه والتقرُّب إليه عند بيته؛ فهؤلاء لهم الحقُّ ولهم الإكرام، ومن إكرامهم تطهيرُ البيت لأجلهم. ويدخل في تطهيرِه تطهيرُهُ من الأصوات اللاغية والمرتفعة التي تشوِّشُ على المتعبِّدين بالصلاة والطواف. وقدَّم الطواف على الاعتكاف والصلاة لاختصاصه بهذا البيت، ثم الاعتكاف لاختصاصِهِ بجنس المساجد.