ثم ذكر علامة مَنْ ينصره، وبها يُعرف أنَّ مَن ادَّعى أنه يَنْصُرُ الله ويَنْصُرُ دينَه ولم يتَّصِف بهذا الوصف؛ فهو كاذب، فقال: {الذين إن مَكَّنَّاهُم في الأرض}؛ أي: مَلَّكْناهم إياها، وجعلناهم المتسلِّطين عليها من غير منازعٍ ينازِعُهم ولا معارِض؛ {أقاموا الصلاةَ}: في أوقاتها وحدودها وأركانها وشروطها في الجمعة والجماعات. {وآتوُا الزَّكاة}: التي عليهم خصوصاً، وعلى رعيَّتهم عموماً، آتَوْها أهلها الذين هم أهلها. {وأمروا بالمعروف}: وهذا يشمَلُ كلِّ معروفٍ حُسْنُهُ شرعاً وعقلاً من حقوق الله وحقوق الآدميين. {ونَهَوا عن المنكر}: كلّ منكرٍ شرعاً وعقلاً، معروف قبحُه، والأمر بالشيء والنهي عنه يدخُلُ فيه ما لا يتمُّ إلاَّ به؛ فإذا كان المعروف والمنكر يتوقَّف على تعلُّم وتعليم أجبروا الناس على التعلُّم والتعليم، وإذا كان يتوقَّف على تأديبٍ مقدَّر شرعاً أو غير مقدَّر؛ كأنواع التعزير؛ قاموا بذلك، وإذا كان يتوقَّف على جعل أناس متصدِّين له؛ لزم ذلك، ونحو ذلك مما لا يتمُّ الأمر بالمعروف والنهيُ عن المنكر إلاَّ به. {ولله عاقبةُ الأمور}؛ أي: جميع الأمور ترجِعُ إلى الله، وقد أخبر أنَّ العاقبة للتقوى؛ فمن سلَّطه الله على العباد من الملوك وقام بأمر الله؛ كانتْ له العاقبةُ الحميدةُ والحالةُ الرشيدةُ، ومن تسلَّط عليهم بالجَبَروت، وأقام فيهم هوى نفسه؛ فإنَّه وإن حصل له ملكٌ موقتٌ؛ فإنَّ عاقبتَه غيرُ حميدةٍ؛ فولايتُه مشؤومة، وعاقبته مذمومة.