وأمَّا الطائفةُ الثالثةُ؛ فإنَّه يكون رحمةً في حقِّها، وهم المذكورون بقوله: {ولِيَعْلَمَ الذين أوتوا العلم أنَّه الحقُّ من ربِّك}: وأن الله مَنَحَهم من العلم ما به يعرفون الحقَّ من الباطل والرُّشْدَ من الغيِّ، فيفرِّقون بين الأمرين الحقِّ المستقرِّ الذي يُحْكِمُهُ الله، والباطل العارض الذي ينسَخُهُ الله، بما على كلٍّ منهما من الشواهد، وليعلموا أنَّ الله حكيمٌ يقيِّضُ بعضَ أنواع الابتلاء ليظهرَ بذلك كمائن النفوس الخيِّرة والشِّريرة؛ {فيؤمنوا به}: بسببِ ذلك، ويزدادُ إيمانُهم عند دفع المعارِضِ والشبهِ؛ {فتخبِتَ له قلوبُهُم}؛ أي: تخشع وتخضع وتسلم لحكمتِهِ، وهذا من هدايته إيَّاهم. {وإنَّ الله لهادي الذين آمنوا}: بسبب إيمانهم {إلى صراطٍ مستقيم}: علم بالحقِّ وعمل بمقتضاه؛ فيثبِّتُ الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدُّنيا وفي الآخرة، وهذا النوع من تثبيت الله لعبده. وهذه الآيات فيها بيانُ أنَّ للرسول - صلى الله عليه وسلم - أسوةٌ بإخوانِهِ المرسلين؛ لما وَقَعَ منه عند قراءتِهِ - صلى الله عليه وسلم - {والنجم}، فلما بَلَغَ: {أفرأيتُمُ اللاتَ والعُزَّى. ومناةَ الثَّالثَةَ الأخرى}؛ ألقى الشيطانُ في قراءته: تلك الغرانيق العلى. وإنَّ شفاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجى؛ فحصل بذلك للرسول حزنٌ وللناس فتنةٌ؛ كما ذكر الله، فأنزل الله هذه الآيات.