لما بيَّن تعالى كمالَه وضعفَ الأصنام وأنَّه المعبود حقًّا؛ بيَّن حالة الرسل وتميُّزهم عن الخلق بما تميَّزوا به من الفضائل، فقال: {الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس}؛ أي: يختار ويجتبي من الملائكة رسلاً ومن الناس رسلاً؛ يكونون أزكى ذلك النوع وأجمعَهُ لصفاتِ المجدِ وأحقَّه بالاصطفاء؛ فالرسلُ لا يكونون إلاَّ صفوةَ الخلق على الإطلاق، والذي اختارهم واجتباهم ليس جاهلاً بحقائق الأشياء، أو يعلم شيئاً دون شيءٍ، وإنَّ المصطفي لهم السميعُ البصيرُ، الذي قد أحاط علمُهُ وسمعُهُ وبصرُهُ بجميع الأشياء؛ فاختياره إيَّاهم عن علم منه أنَّهم أهلٌ لذلك، وأنَّ الوحي يصلُحُ فيهم؛ كما قال تعالى: {اللهُ أعلمُ حيث يجعلُ رسالتَه}. {وإلى الله تُرْجَعُ الأمور}؛ أي: هو يرسل الرسل يدعون الناس إلى الله؛ فمنهم المجيبُ، ومنهم الرادُّ لدعوتهم، ومنهم العاملُ، ومنهم الناكلُ؛ فهذا وظيفةُ الرسل، وأمَّا الجزاءُ على تلك الأعمال؛ فمصيرُها إلى الله؛ فلا تعدم منه فضلاً وعدلاً.