فلما أنكروا رسالَتَه وَرَدُّوها؛ أنكروا ما جاء به من البعثِ بعد الموت والمجازاة على الأعمال، فقالوا: {أيَعِدُكُم أنَّكم إذا مِتُّم وكُنْتُم تُراباً وعظاماً أنَّكم مخرَجونَ. هيهاتَ هيهاتَ لما توعَدونَ}؛ أي: بعيدٌ بعيدٌ ما يعِدُكم به من البعث بعد أنْ تمزَّقتم وكنتم تراباً وعظاماً. فنظروا نظراً قاصراً، ورأوا هذا بالنسبة إلى قُدَرِهم غير ممكن، فقاسوا قدرة الخالق بقُدَرِهم، تعالى الله، فأنكروا قدرتَه على إحياء الموتى، وعجَّزوه غاية التَّعجيز، ونسوا خَلْقَهم أول مرة، وأنَّ الذي أنشأهم من العدم؛ فإعادته لهم بعد البلى أهون عليه، وكلاهما هيِّن لديه؛ فلمَ لا يُنِكْرون أول خَلْقهم ويكابرون المحسوسات ويقولون: إنَّنا لم نزل موجودين، حتى يَسْلَمَ لهم إنكارُهم البعث ويُنْتَقَل معهم إلى الاحتجاج على إثبات وجود الخالق العظيم؟! وهنا دليلٌ آخر، وهو أن الذي أحيا الأرض بعد موتها؛ إنَّ ذلك لمحيي الموتى؛ إنَّه على كل شيء قدير. وثَمَّ دليلٌ آخر، وهو ما أجاب به المنكرينَ للبعث في قوله: {بل عَجِبوا أن جاءهم مُنْذِرٌ منهم فقال الكافرونَ هذا شيءٌ عجيبٌ. أإذا مِتْنا وكُنَّا تُرابا ذلك رَجْعٌ بعيدٌ}. فقال في جوابهم: {قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الأرضُ منهم}؛ أي: في البِلى {وعندنا كتابٌ حفيظٌ}.