ثم مدح تعالى عُمَّارها بالعبادة، فقال: {يُسَبِّحُ له}: إخلاصاً {بالغدوِّ}: أول النهار {والآصالِ}: آخره {رجالٌ}: خصَّ هذين الوقتين لِشَرَفِهما ولتيسُّر السير فيهما إلى الله وسهولتِهِ، ويدخل في ذلك التسبيح في الصلاة وغيرها، ولهذا شُرِعَتْ أذكارُ الصباح والمساء وأورادُهما عند الصباح والمساء؛ أي: يسبِّح فيها لله رجالٌ، وأيُّ رجال؟! ليسوا ممَّن يؤثِرُ على ربِّه دنيا ذات لذاتٍ ولا تجارةٍ ومكاسبَ مشغلة عنه. {لا تُلهيهم تجارةٌ}: وهذا يَشْمَلُ كلَّ تكسُّب يُقصد به العِوَضُ، فيكون قوله: {ولا بَيْعٌ}: من باب عطف الخاصِّ على العامِّ؛ لكَثرة الاشتغال بالبيع على غيره؛ فهؤلاء الرجال وإن اتَّجروا وباعوا واشْتَرَوا؛ فإنَّ ذلك لا محذور فيه، لكنَّه لا تلهيهم تلك بأن يقدِّموها ويؤثِروها على {ذِكْر الله وإقام الصَّلاةِ وإيتاءِ الزكاة}: بل جعلوا طاعةَ الله وعبادتَه غايةَ مرادِهم ونهايةَ مقصدِهم؛ فما حال بينَهم وبينَها رفضوه. ولما كان تركُ الدُّنيا شديداً على أكثر النفوس وحبُّ المكاسب بأنواع التجاراتِ محبوباً لها، ويشقُّ عليها تركُه في الغالب وتتكلَّفُ من تقديم حقِّ الله على ذلك؛ ذَكَرَ ما يَدْعوها إلى ذلك ترغيباً وترهيباً، فقال: {يخافون يوماً تتقلَّبُ فيه القلوبُ والأبصارُ}: من شدَّة هولِهِ وإزعاجِهِ للقلوب والأبدان؛ فلذلك خافوا ذلك اليوم، فَسَهُلَ عليهم العملُ وتركُ ما يَشْغَلُ عنه.