لما عظَّم تعالى أمر الزنا بوجوب جلدِهِ وكذا رَجْمِهِ إن كان محصناً، وأنَّه لا تجوز مقارنته ولا مخالطته على وجهٍ لا يَسْلَم فيه العبدُ من الشرِّ؛ بيَّن تعالى تعظيم الإقدام على الأعراض بالرمي بالزِّنا، فقال: {والذين يرمونَ المحصناتِ}؛ أي: النساء الأحرار العفائف، وكذلك الرجال، لا فرق بين الأمرين، والمرادُ بالرمي الرميُ بالزنا؛ بدليل السياق. {ثم لم يأتوا}: على ما رموا به {بأربعة شهداء}؛ أي: رجال عدول يشهدون بذلك صريحاً {فاجْلُدوهم ثمانينَ جلدةً}: بسوطٍ متوسطٍ يؤلِمُ فيه، ولا يبالِغُ بذلك حتى يُتْلِفَه؛ لأن القصد التأديب لا الإتلاف. وفي هذا تقريرُ حدِّ القذف، ولكن بشرط أن يكون المقذوف كما قال تعالى محصناً مؤمناً، وأما قذف غير المحصن؛ فإنَّه يوجِبُ التعزير، {ولا تَقْبَلوا لهم شهادةً أبداً}؛ أي: لهم عقوبة أخرى، وهو أنَّ شهادة القاذف غير مقبولة، ولو حُدَّ على القَذْفِ، حتى يتوبَ؛ كما يأتي. {وأولئكَ هم الفاسقونَ}؛ أي: الخارجون عن طاعة الله، الذين قد كَثُرَ شرُّهم، وذلك لانتهاك ما حرَّم الله، وانتهاك عِرْضِ أخيه، وتسليط الناس على الكلام بما تكلَّم به، وإزالة الأخوة التي عقدها الله بين أهل الإيمان، ومحبَّة أن تَشيعَ الفاحشةُ في الذين آمنوا. وهذا دليلٌ على أن القذف من كبائر الذنوب.