أمر المؤمنين أن يستأذِنَهم مماليكُهم والذين لم يبلُغوا الحُلُمَ منهم، قد ذَكَرَ الله حكمتَه، وأنَّه ثلاثُ عوارتٍ للمستأذَنِ عليهم؛ وقتَ نومِهم بالليل بعد العشاء، وعند انْتِباههم قبل صلاة الفجر؛ فهذا في الغالب أنَّ النائم يستعمل للنوم في الليل ثوباً غير ثوبِهِ المعتاد، وأمَّا نومُ النهار؛ [فلمّا] كان في الغالب قليلاً قد ينام فيه العبد بثيابِهِ المعتادة؛ قيَّده بقوله: {وحين تَضَعون ثيابَكم من الظهيرةِ}؛ أي: للقائلة وسط النهار؛ ففي ثلاث هذه الأحوال يكون المماليكُ والأولادُ الصغارُ كغيرهم لا يمكَّنون من الدُّخول إلاَّ بإذنٍ، وأمَّا ما عدا هذه الأحوالُ الثلاثة؛ فقال: {ليس عليكُم ولا عليهِم جُناح بعدهنَّ}؛ أي: ليسوا كغيرِهم؛ فإنَّهم يُحتاج إليهم دائماً، فيشقُّ الاستئذان منهم في كلِّ وقتٍ، ولهذا قال: {طَوَّافونَ عليكم بعضُكم على بعضٍ}؛ أي: يتردَّدون عليكم في قضاء أشغالكم وحوائجكم. {كذلك يبيِّنُ الله لكم الآياتِ}: بياناً مقروناً بحكمتِهِ؛ ليتأكَّدَ ويتقوَّى ويعرفَ به رحمةَ شارِعِه وحكمتَه، ولهذا قال: {والله عليمٌ حكيمٌ}: له العلم المحيطُ بالواجبات و [المستحيلات] والممكنات والحكمة التي وَضَعَتْ كلَّ شيءٍ موضِعَه، فأعطى كلَّ مخلوق خَلْقَه اللائق به، وأعطى كلَّ حكم شرعيٍّ حكمه اللائقَ به، ومنه هذه الأحكام التي بَيَّنَها وبيَّنَ مآخِذَها وحُسْنَها.