ومن حكمتِهِ ورحمتِهِ أنْ لا يعذِّب الأممَ بمجرَّدِ كفرِهم قبل إقامةِ الحجَّة عليهم بإرسال الرسل إليهم، ولهذا قال: {وما كان ربُّك مُهْلِكَ القرى}؛ أي: بكفرِهم وظلمِهم؛ {حتى يَبْعَثَ في أمِّها}؛ أي: في القرية والمدينة التي إليها يَرْجِعون، ونحوها يتردَّدون، وكلُّ ما حولها ينتَجِعها، ولا تَخْفى عليه أخبارها، {رسولاً يتلو عليهم آياتِنا}: الدالَّة على صحَّة ما جاء به وصِدْقِ ما دعاهم إليه، فيبلغُ قولُه قاصِيَهم ودانِيَهم؛ بخلاف بعث الرسل في القرى البعيدة والأطراف النائية؛ فإنَّ ذلك مظنَّة الخفاء والجفاء، والمدن الأمَّهات مظنَّة الظُّهور والانتشار، وفي الغالب أنَّهم أقلُّ جفاء من غيرهم، {وَما كُنَّا مُهْلِكي القُرى إلاَّ وأهلُها ظالمونَ}: بالكفر والمعاصي، مستحقُّون للعقوبة. والحاصلُ أنَّ الله لا يعذِّب أحداً إلا بظُلْمه وإقامةِ الحجَّةِ عليه.