فكأنَّها خافتْ عليه، وفعلتْ ما أمِرَت به، ألقته في اليمِّ، وساقه الله تعالى، حتى التقطه {آلُ فرعون}: فصار من لَقْطِهم، وهم الذين باشروا وُجْدانَه؛ {ليكون لهم عدوًّا وحَزَناً}؛ أي: لتكون العاقبةُ والمآلُ من هذا الالتقاط أن يكون عدوًّا لهم وحَزَناً يَحْزُنُهم؛ بسبب أنَّ الحذر لا ينفع من القدر، وأنَّ الذي خافوا منه من بني إسرائيل قيَّض الله أن يكونَ زعيمُهم يتربَّى تحت أيديهم وعلى نظرِهم وبكفالَتهم. وعند التدبُّر والتأمُّل تجدُ في طيِّ ذلك من المصالح لبني إسرائيل ودفع كثيرٍ من الأمور الفادحة بهم ومنع كثيرٍ من التعدِّيات قبلَ رسالته؛ بحيث إنَّه صار من كبار المملكة، وبالطبع لا بدَّ أن يحصُلَ منه مدافعةٌ عن حقوق شعبِهِ، هذا وهو هو ذو الهمة العالية والغيرة المتوقِّدة، ولهذا وصلتِ الحالُ بذلك الشعب المستضعف ـ الذي بلغ بهم الذُّلُّ والإهانةُ إلى ما قصَّ الله علينا بعضَه ـ أنْ صار بعضُ أفراده ينازِعُ ذلك الشعبَ القاهرَ العالي في الأرض كما سيأتي بيانُهُ، وهذا مقدِّمهٌ للظُّهور؛ فإن الله تعالى من سنَّته الجارية أن جعل الأمور تمشي على التدريج شيئاً فشيئاً، ولا تأتي دفعةً واحدة. وقوله: {إن فرعونَ وهامانَ وجنودَهما كانوا خاطِئينَ}؛ أي: فأرَدْنا أن نعاقِبهما على خطئهما، ونكيدهم جزاءً على مكرهم وكيدهم.